“بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق”

(بقرة 213)

“لا نفرق بين احد من رسله” (بقرة 136 و 285 ؛ آل عمران 4 نساء 163)

من يتصفح الكتاب والقرآن يتحقق من بادرة لا ريب فيها ألا وهى اتفاقهما في الجوهر على التوحيد أى “الايمان بالله واليوم الآخر ” تلك هى حقيقة الحقائق وهما يرددانها بكل لحن، وبلا ملل.

نشأ محمد في الحجاز ودعا إلى الله ( سجدة 72 ) في محيط مشبع بدعوة التوحيد[‡] الإسرائيلية والمسيحية والحنيفية وسط الشرك الحاكم.

فكان لابد للنبي العربي من أن يتعرض للكتاب والإنجيل. فما كان صدى تأثيراته؟

وكان لابد له أيضاً من أن يتصدى للأديان السابقة، والكتب المنزلة، والأنبياء المتعاقبين:

فما هى نظرية القرآن في الأديان؟

نكتفي هنا بذكر آيه من القرآن: “ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر….” ( بقره 177 ) وآيه من الإنجيل في رسالة القديس بولس إلى العبرانيين ” وبدون ايمان يستحيل ارضاء الله اذ لابد لمن يدنو إلى الله أن يؤمن بأنه كائن وانه يثيب الذين يبتغونه ” ( ف 11 ع 6 )

للقرآن نظرية خاصة، جامعة في الأديان المنزلة، ولا نقول غير المنزلة لأنه لا يعترف بها. فالقرآن يعلم بصراحه وحدة الكتاب المنزل على جميع الانبياء، ووحدة الرسالة النبوية عند جميع المرسلين، ووحدة الدين الموحى به لجميعهم.

الكتاب المنزل واحـد

يعلم القرآن أن أصل الكتبfgلمنزلة واحد، عند الله، ( مؤمنون 63 ) ويسميه “ام الكتاب[§]، ( زخرف 4 )، و”يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ” ( رعد 41)، ويدعوه أيضاً ” اللوح المحفوظ” ( البروج 21 و22)، ” والامام المبين “: ” وكل شىء احصيناه في امام مبين ” ( يس 12)

وقد انزل الله كتابه الواحد على جميع الانبياء والمرسلين: ” كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ” ( بقره 212 ). يقول ” الكتاب” فهو معروف، وهو واحد.

ونزل كتاب الله على آجال: ” ما كان لرسول أن يأتى بآية الا باذن الله: لكل اجل كتاب. يمحوا الله ما يشاء ويثبت، وعنده ام الكتاب ” ( رعد 40 – 41 ). من أجل إلى أجل قد يمحوا الله ما يشاء مما أنزل ويثبت غيره، محتفظا بوحدة التنزيل لان عنده ام الكتاب في اللوح المحفوظ.

والكتب المنزلة عديده بقى منها اربعة: توراة موسى، وزبور ( مزامير ) داود، وانجيل عيسى، وقرآن محمد، وكلها نسخ طبق الاصل عن الكتاب الازلى: ” نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه ( قبله). وانزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس، وانزل الفرقان ” ( آل عمران 3)[**]

فبإنزاله القرآن والإنجيل والتوراة اوحى الله الفرقان كله اى ” جنس الكتب السماوية لانها كلها فرقان يفرق بين الحق والباطل ” ( الزمخشرى )

وهذه النسخ يصدق بعضها بعضا، ويشهد بعضها لبعض: ” وقفينا على اثرهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الاتجيل فيه هدى ونور. وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه (قبله) من الكتاب ومهيمنا عليه ” ( مائدة 46 – 51 )[††]

وهكذا يكون القرآن نسخة عربية عن الكتاب: ” والكتاب المبين انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ” ( زخرف 1،2 ).

لذلك يأمر القرآن أهله ان يؤمنوا ايمانا واحدا بالكتب المنزلة كلها: ” يا ايها الذين آمنوا، آمنوا بالله ورسوله، والكتاب الذى نزل على رسوله والكتاب الذى أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر فقد ضل ضلالا بعيدا ” ( نساء 135)

وهذا الايمان الواحد الذى يأمرهم به – بسبب وحدة التنزيل والكتاب – يجعله ركنا من اركان الاسلام:

” ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من امن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ” ( بقره 177)

وبسبب وحدة الوحى ووحدة الكتاب المنزل مع الرسل جميعهم ينذر القرآن بعذاب واحد من كفر بأحد الكتب لانها جميعها “الكتاب”: ” الذين كذبوا بالكتاب وبما ارسلنا به رسلنا فسوف يعلمون اذ الاغلال في اعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسحرون ” ( غامز 72 )

وهكذا يرى القرآن في الكتب المنزلة نسخا عن “الكتاب”الواحد.

والرسالة النبوية واحدة عند جميع الأنبياء والمرسلين

ان تصريحات القرآن في هذا الصدد واضحة متكرره[‡‡].

فهو يعلن وحدة الايمان في وحدة الرسالة:” قولوا آمنا بالله وما أنزل الينا الينا وما انزل إلى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط، وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم. لا نفرق بين احد منهم ؛ ونحن له مسلمون[§§]” ( بقرة 136) يعلن ان من الاسلام الايمان بالانبياء جميعهم على السواء،

رادا بذلك على دعوة اليهود والنصارى إلى ملتهم: ” وقالوا: كونوا هودا او نصارى تهتدوا ! بل ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين ” ( بقرة 135 )، لان الاصل التوجيد ولا خلاف بين المسلمين والكتابيين عليه:

” قل: اتحاجونا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم اعمالكم ونحن له مخلصون ” ( بقرة 139)

وتقوم وحدة النبوة ووحدة الرسالة على التوحيد، ويسمى هذا التوحيد اسلاما[***]” أفغير دين الله يبغون، وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها واليه يرجعون. قل آمنا بالله وبما أنزل علينا وما أنزل على ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط، وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا فرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ” (آل عمران 83—85 ) فكل الانبياء يريدون دين الله وقد دعوا اليه.

ويصرح بأن وحدة الرسالة والنبوة تأتى من وحدة الوحى: ” انا اوحينا اليك كما اوحينا إلى نوح والنبيين من بعده، واوحينا إلى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وعيسى وايوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك، وكلم الله موسى تكليما، رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجه بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ” ( نساء 162 – 164 )

وهكذا فلا تجوز التفرقه بين الانبياء لان الموحى اليهم واحد، والوحى واحد عند جميعهم فهم سلسلة واحده متصلة الحلقات يحملون رسالة واحدة.

والدين واحد في جميع الكتب ومع جميع الانبياء

ان كل رسول دعا إلى الله: ” ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله، ومنهم من حقت عليه الضلالة ” ( نحل 36 ) وغمر البشر بالرسل الداعين إلى التوحيد

“جاءتهم الرسل من بين ايديهم ومن خلفهم الا تعبدوا الا الله ” ( السجدة 14 ) وكل ذكر نزل من الله اوحى ان لا اله الا الله: ” ام اتخذوا من دونه آلهة! قل هاتوا برهانكم! هذا ذكر من معى وذكر من قبلي[†††]

بل اكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون: ” وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحى اليه انه لا اله الا انا فاعبدون ” ( انبياء 24 و 25 ) ؛ اوحى الله التوحيد لكل رسول ارسله، وهذه كتب الله الموحاة كلها ليس في واحد منها ان مع الله الها مما قالوا ( الجلالان )

ودعوة الانبياء إلى الله هى التوحيد وهى الاسلام الذى يكرز به القرآن: ” افغير دين الله يبغون وله اسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها.

قل امنا بالله وبما انزل على ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون. ومن يبتغ غير الاسلام دينآ فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ” ( آل عمران 85 و 84 و 83). نص خطير، جامع مانع , يحدد معنى الاسلام بالتوحيد، “دين الله[‡‡‡]” الذى يخضع له من في السماوات والارض طوعآ وكرهآ , وهو الذى أنزل على الانبياء جميعهم كما نزل على محمد , ومن يبتغ غير اسلام التوحيد فهو من الخاسرين في الدنيا والاخرة.

بهذا الدين، وبهذا التوحيد شهد الانبياء جميعهم , وأولو العلم , والملائكة والله نفسه: ” شهد الله أنه لا اله الاهو، والملائكة واولو العلم، قائما بالقسط، لا اله الا هو العزيز الحكيم ان الدين عند الله الاسلام[§§§]

( آل عمران 18 و 19 ) ؛ فالسماء والارض تشهدان ان “لا دين مرضى عند الله سوى الاسلام وهو التوحيد ” ( البيضاوى) قرن منزلة ” اولى العلم ” بالملائكة والله ! (الرازى)

وحسب نظرية القرآن، جميع الانبياء ليس فقط كرزوا بالاسلام بل كانوا هم انفسهم مسلمين. فابراهيم[****] وابنه اسماعيل مسلمان “ربنا، واجعلنا مسلمين لك ” ( بقرة 128 ) ووصى ابراهيم بنيه من بعده بالاسلام:”اذ قال ربه: اسلم. قال اسلمت لرب العالمين. ووصنى بها ابراهيم بنيه”(بقرة 131) فحفظوا الوصية وتناقلوها: ” ويعقوب: يا بنى، ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وانتم مسلمون “(بقرة 132)

فلا تموتن الا وأنتم مسلمون ” ( بقرة 132 ) ؛ وقبل الاسباط هذه الوصية بالاسلام ( بقرة 133 ). وهكذا فملة ابراهيم بفرعيها من اسماعيل واسحاق مسلمة: ” ومن ذريتنا امة مسلمة لك “

(بقرة 128)، فقد قال الاسباط ليعقوب: “نعبد الهك واله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحاق الهآ واحدآ ونحن له مسلمون ” ( بقرة 133 ).

والنبيون ما بين موسى وعيسى مسلمون: ” انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ” ( مائدة 47) يعنى أنبياء بنى اسرائيل أو موسى ومن بعده ( البيضاوى ). واليهود الذين يحفظون التوراة بهدى أنبيائهم مسلمون معهم: ” ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون أيأمركم بالكفر بعد اذ أنتم مسلمون ” ( آل عمران 80 )، فيشهد أن اليهود الذين يخاطبهم ويسفه غلوهم في اكرام الملائكة والبنين هم مسلمون: انها حال قائمة ” بعد اذ انتم مسلمون!”

والمسيح نفسه وأنصاره الحواريون مسلمون: ” ولما أحس عيسى منهم الكفر (اى من اليهود ) قال: من أنصارى إلى الله؟ قال الحواريون[††††]: نحن انصار الله! آمنا بالله! واشهد بأنا مسلمون ” ( آل عمران 52 و 53). وقد قبل الحواريون دعوة عيسى واعتنقوا “الاسلام ” بعد معجزة المائدة التى أنزلها عيسى عليهم من السماء: “واذ اوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بى وبرسولى ! قالوا: آمنا , واشهد بأنا مسلمون” (مائدة 115 – 119).

لذلك لما حاول محمد ان يجتذب اهل الكتاب إلى ملته التى انشأها في المدينة مستقلاً عن أهل الكتاب أجابوه بأنهم مسلمون من قبله: “الذين آتيناهم الكتاب من قبله ( من قبل القرآن ) هم به مؤمنون ؛ واذا يتلى عليهم

قالوا: آمنا، انه الحق من ربنا، انا كنا من قبله مسلمين ! اولئك يؤتون أجرهم مرتين[‡‡‡‡]” ( قصص 52 – 54 ). وهكذا بشهادة القرآن الصريحة، وبنص الوحى القاطع، اليهود والنصارى , المعاًصرون محمدآ، مسلمون قبل النبي العربي وامته، وسوف يؤتون اجرهم مرتين بما صبروا. ” وايمانهم به ليس مما احدثوه حينئذ وانما هو امر تقادم عهده لما رأوا ذكره في الكتاب ” قل انما انا بشر مثلكم يوحى إلى أنما الهكم واحد فمن كن يرجو لقاء ربه فليعمل عملآ صالحآ ولا يشرك بعبادة ربه احدآ (الكهف111 ). واقتدى بهداهم ( انبياء 90 ) وتبع اسلامهم: ” أمرت ان اكون من المسلمين ” ( انعام 14 ) وبلغ قومه هذا الدين: ” اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينآ ” ( مائدة 3 ) وبذلك أمسى هو اول المسلمين

” قل ان صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وانا اول المسلمين ” ( انعام 163 ) والمسلمون متبعو عيسى فىالاسلام وان اختلفت الشرائع ” ( الزمخشرى، آل عمران ).

فحسب تعليم القرآن الصريح ان اهل التوراة واهل الإنجيل واهل القرآن كلهم مسلمون أى موحدون يؤمنزن ايمانآ واحدآ بالله واليوم الآخر. وقد اكد القرآن ذلك إلى اخر عهده: ” ملة ابيكم ابراهيم، هو[§§§§] سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ” ( الحج 78 ) فالله سمى المؤمنون به مسلمين في القرآن وفي الكتب التى سبقته منذ ابراهيم: فالدين واحد.

وهذا الاتفاق الجوهرى على العقيدة لا يضيره اختلاف ثانوى في البشريعة ؛ ففي صفحة خالدة من اواخر حياة النبي العربي يقر القرآن في سورة المائدة هذا التفرق ويجعله سبب تنافس وتسابق في الخيرات.فهو يقر امة موسى على شريعتهم: ” وكيف يحكمونكم وعندهم التوراة فيها حكم الله… انا انزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانو عليه شهداء ” ( مائدة 47 و 48 ). ويقر أمة عيسى على شريعتهم: ” وقفينا على آثارهم بعيسى

ابن مريم مصدقآ لما بين يديه من التوراة , وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور، ومصدقآ لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين: وليحكم اهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ؛ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ” (49 – 51 ). ويقر امة محمد على شريعتهم: ” وأنزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقآ لما بين يديه من الكتاب ومهيمنآ عليهم. فاحكم بينهم بما أنزل الله ” (51 ).

ويختم بهذا المبدا الجامع المانع الشامل الكامل، الأولى النهائى: ” لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجآ ! ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة[*****]. ولكن ليبلوكم في ما آتاكم: فاستبقوا الخيرات ” (51) لقد جمعكم الله على عقيدة واحدة , ولو شاء لجعلكم على شريعة واحدة ولكن فرقكم فرقآ ليختبركم فيما آتاكم حتى تتنافسوا وتتسابقوا في الخيرات ” كل حسب شرعته ومنهاجه.

تلك نظرية القرآن في الأديان والأنبياء والكتب النزلة: الدين واحد , ورسالة الأنبياء التى تحمله واحدة , والكتاب الذى يحويه رغم تعدد نسخه واحد. لذلك يكرر تصريحاته بشجب التفرقة بين الأديان والرسل والكتب ” أن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلآ أولئك هم الكافرون واعتدنا للكافرين عذابآ مهينآ. والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم ” ( نساء 151 ) أجل ” لانفرق بين أحد من رسله ونحن له مسلمون ” ( بقرة 136 و285 , آل عمران 84 , نساء 163 ) لأن الله ” بعث النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ” (بقرة 213 ).

تذييل لنظرية القرآن في وحدة الأديان المنزلة

نجد في كتاب الملل والنحل ص 202 للشهر ستانى ( طبعة ( Leipzig 1923 Cureton

خلاصة الرأى القديم عن وحدة الدين بين اهل الكتاب واهل القرآن ننقلها لتمام الفائدة: ” والتقسيم الضابط أن نقول: من الناس من لا يقول بمحسوس ولا معقول وهم السفسطائية. ومنهم من يقول بالمحسوس ولا يقول بالمعقول وهم الطبيعية , ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول ولا يقول بحدود واحكام وهم الفلاسفة الدهرية. ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول والحدود والاحكام ولا يقول بالشريعة والاسلام وهم الصائبة: ومنهم من يقول بهذه كلها وبشريعة ما واسلام ولا يقول بشريعة المصطفى ص. وهم اليهود والنصارى. ومنهم من يقول بهذه كلها , وهم المسلمون “. اذآ خلاف اهل الكتاب واهل القرآن ليس في العقيدة حسب زعمهم بل في الشريعة وحدها كما رأينا في القرآن.

ونجد في ( حياة محمد ) لحسين هيكل خلاصة الرأى الحديث: ” صحيح ان تعاليمهم ( موسى وعيسى ) تنتهى في جوهرها إلى ماتنتهى اليه تعاليم محمد في جوهرها , مع خلاف في التفاصيل ليس هنا موضع ايضاحه “

( ص 112 ). وقال آخر: ” اما المسلمون ففي دينهم قسم مشترك بين الديانات كلها ؛ فهم يؤمنون بموسى ويوقرونه، ويعتبرون التهجم على مكانته كفرآ بالاسلام. وهم كذلك يؤمنون بعيسى ويكرمون مولده وينزهون نسبته ويرون الطعن في عفاف امه أو شرف ابنها كفرآ بالاسلام. وهم يضمون إلى ايمانهم بموسى وتوراته , وعيسى وانجيله ايمانآ جديدآ بمحمد وقرآنه على اساس ان النبوة الاخيرة جاءت تصديقآ لما قبلها ومحوآ للفوارق والخلافات التى مزقت شمل العالم. فالاسلام هو يهودية موسى ونصرانية عيسى معاً وهدآيات من قبلها من رسل الله الأكرمين جميعا ( التعصب والتسامح بين المسيحية والاسلام ص 57 ) لمحمد الغزالى.

ومن احدث ما قرأنا مقالآ في مجلة الهلال 1 يناير 1955 بقلم منصور رجب الاستاذ بكلية اصول الدين في الازهر الشريف عن رسالة الازهر: نص قرآنى بين يقرر في صراحة ان الأديان السماوية , كلها في الاصل شىْ واحد , لافرق بين يهودية او مسيحية او اسلام ولذلك يقول في سورة الشورى: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحآ – والذى اوحينا اليك – وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان: اقيموا الدين ولاتتفرقوا فيه. والبخارى نفسهنقل تفسير هذه الآية بأن قال ” اوصيناك يا محمد وانبياءه دينآ واحدآ… وكأنى بواحد يسائل نفسه: وما الفرق اذن بين هذه الأديان؟ – الفرق انما هو في الشرائع اى في الفروع ولذلك يقول القرآن الكريم في سورة المائدة ” لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجآ. مثلآ الصلاة اصل من اصول الدين الاانها تختلف في الكيفية في كل شريعة عنها في الاخرى. وهكذا يقال في كل مايتصل بهذه الناحية ( 47 و 148 ).